السبت، 22 أكتوبر 2011

السعودية وسيناريو ما بعد وفاة ولى العهد

ما إن أعلن الديوان الملكي السعودي صباح السبت الموافق 22 أكتوبر عن وفاة ولي العهد الأمير سلطان بن عبد العزيز بنيويورك عن عمر يناهز 85 بعد معاناة طويلة مع المرض, إلا وتساءل كثيرون عن تأثير هذا التطور على الاستقرار السياسي في المملكة .
فمعروف أن الاستقرار السياسي في السعودية هو أمر بالغ الأهمية حيث يوجد فيها خمس احتياطي النفط في العالم وتعتبرها الولايات المتحدة حليفا حيويا لها في المنطقة .
وبالنظر إلى أن الإعلان عن وفاة الأمير سلطان جاء بعد خمسة أيام فقط من العملية الجراحية الجديدة التي أجريت بنجاح للملك عبد الله بن عبد العزيز في أحد مستشفيات الرياض في 17 أكتوبر, فقد أعرب البعض عن مخاوفه من احتمال وجود أي فراغ في السلطة في حال حدوث أي طارئ .
ولعل ما ضاعف من المخاوف في هذا الصدد أن الملك عبد الله البالغ من العمر 87 عاماً كان قد خضع في نوفمبر 2010 إلى عملية جراحية في الظهر في نيويورك، ثم عملية ثانية مطلع ديسمبر من العام ذاته, كما ترددت تقارير مؤخرا بأنه قلل من نشاطاته بسبب حالته الصحية.
ورغم ما سبق, إلا أن هناك عدة أمور من شأنها أن تطمئن السعوديين بعدم حدوث أي فراغ في السلطة من أبرزها أن الملك عبد الله كان قد أنشأ قبل خمس سنوات ما يعرف بمجلس البيعة من أبناء وأحفاد مؤسس المملكة الملك عبد العزيز آل سعود ومنوط به اختيار ملك البلاد وولي العهد عبر اقتراع سري في حال وقوع أي طارئ .
هذا بالإضافة إلى أن ولي العهد الراحل الأمير سلطان كان خارج السعودية للعلاج معظم العامين الماضيين, فهو كان قد غادر في يونيو الماضي إلى أمريكا للعلاج وخضع في يوليو لعملية جراحية وكان خضع قبلها أيضا لجراحة في نيويورك في فبراير 2009 وبعد ذلك قضى فترة النقاهة في المغرب التي استمرت حتى نهاية ديسمبر من العام ذاته, حين عاد إلى المملكة, حيث أفادت مصادر دبلوماسية حينها بأنه لم يستأنف مهامه بشكل كامل.
ويبدو أن تعيين وزير الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز كنائب ثان لرئيس الوزراء في 2009 كان الهدف منه على الأرجح هو جعله في وضع قوي لأن يصبح وليا للعهد في حال حدوث أي طارئ .
بل وذكرت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" أن تعيين الأمير نايف في هذا المنصب كان الهدف منه تفادي أي فراغ في السلطة في حال حدوث مشكلات صحية خطيرة للملك وولي العهد في آن واحد، موضحة أنه تولى في 2010 الإشراف على تنظيم الحج في ظل الوعكة الصحية للملك ووجود ولي العهد خارج البلاد.
وبصفة عامة, فإنه بعد وفاة الأمير سلطان, فإن الملك عبد الله أمامه خياران, إما أن يقوم بنفسه بتعيين ولي العهد الجديد وإما أن يدعو لاجتماع لهيئة البيعة ويعرض عليها عدة أسماء للاختيار بينها .
نظام هيئة البيعة
وسواء تم الأخذ بالخيار الأول أو الثاني , فإن الأمر الذي لا يختلف عليه اثنان أن نظام هيئة البيعة يؤكد السياسة الإصلاحية التي اتبعها الملك عبد الله بن عبد العزيز منذ توليه عرش المملكة في عام 2005 .
ففي أكتوبر عام 2006، أجرى الملك عبد الله إصلاحا داخل النظام الملكي نفسه عبر إنشائه لمجلس العائلة المالكة أو "نظام هيئة البيعة " الذي حدد آلية انتقال السلطة ضمن إطار رسمي ومؤسسي وأنيط به أمر تعيين ولاة العهد والملوك في المستقبل .
القرار السابق لم يؤكد فقط استمرار عملية الإصلاح في كافة الجوانب بما في ذلك الجانب الأكثر حساسية وهو الإصلاح السياسي في منظومة الأسرة الحاكمة إنما طمأن أيضا الشعب السعودي على مستقبله السياسي وذلك من خلال تحديد آلية جماعية لتداول الحكم وتعزيز المفهوم المؤسسي والحد من الفردية في صناعة القرار السياسي والتأكيد على أهمية الأخذ بالرأي الجماعي .
هذا بالإضافة إلى تأهيل أبناء الأسرة الحاكمة من الجيل الثاني للعمل الجماعي في صناعة القرار السياسي وصقل قدراتهم الشخصية والسياسية وتعريفهم بتطلعات المواطن ومتطلبات الوطن والتحديات التي قد تفرزها المستجدات السياسية الاقليمية والدولية كونهم يمثلون الاحتياطي الاستراتيجي للأسرة المالكة .
وبجانب أن "نظام هيئة البيعة" يخلق حراكا سياسيا داخل الأسرة المالكة ويجعل قرار تداول الحكم قرارا جماعيا فإنه يعزز أيضا من شرعيتها، حيث أصبح المواطن السعودي العادي مهتماً بشأن الأسرة ككل خصوصا من سيدخل هيئة البيعة من الجيل الثاني .
ولتأكيد أهمية التطور السابق، فإنه يجب إلقاء نظرة على مضمون "نظام هيئة البيعة " فهو جاء تعديلا للفقرة "ج" من المادة "5" من النظام الأساسي للحكم والتي كانت تنص على أن يختار الملك ولي العهد ويعفيه بأمر ملكي، ونظرا لما يحمله الاختيار أو الاعفاء من مضامين سياسية قد تؤثر على تماسك الأسرة الحاكمة وعلى الاستقرار السياسي في المملكة، فقد جاءت المادة "7" من نظام هيئة البيعة لتستجيب لمتطلبات التحديث في تداول الحكم وأقرت آلية جديدة توسع من قاعدة المشاركة في الاختيار وتضع الأساس لمنهج مؤسسي يحقق أقصى قدر ممكن من ترشيد قرار اختيار ولي العهد .
وبموجب الإجراء الجديد، فإن الملك بعد مبايعته وبحكم ما يملكه من سلطات له الحق بعد التشاور مع أعضاء الهيئة في اختيار من يراه الأصلح من أبناء مؤسس المملكة أو أبناء الأبناء لولاية العهد كما أنه له الحق كذلك في أن يطلب من هيئة البيعة ترشيح من تراه لولاية العهد .
ما سبق يعني أن اختيار الملك لمن يراه لولاية العهد ليس نهائيا بل يجب أن يحصل على موافقة هيئة البيعة وفي حال عدم موافقة هيئة البيعة على خيار الملك ترشح الهيئة من تراه لولاية العهد إلا أن من حق الملك الاعتراض على مرشح الهيئة وفي حال الوصول إلى وضع عدم الاتفاق بين الملك وهيئة البيعة على مرشح ولاية العهد يتم اللجوء إلى التصويت في هيئة البيعة لحسم الأمر والاختيار بين من اختاره الملك ومن رشحته هيئة البيعة ويتم تسمية من ينال أكثر الأصوات وليا للعهد .
وحددت المادة "9" من نظام هيئة البيعة مدة لا تزيد على الثلاثين يوماً من تاريخ مبايعة الملك لحسم اختيار ولي العهد حتى لا تكون عملية الاختيار مصدراً للتساؤلات والشائعات التي قد تؤثر على الاستقرار السياسي .
وتشمل هيئة البيعة في عضويتها أبناء مؤسس المملكة وأبناء الأبناء، بالإضافة إلى اثنين يعينهم الملك أحدهما من أبنائه والآخر من أبناء ولي العهد، أي أن أسلوب تداول الحكم بين أفراد الأسرة المالكة انتقل من القرار الفردي الذي كان يقتصر على الملك إلى القرار الجماعي وما يعنيه من توسيع لقاعدة المشاركة في صنع القرار .
هذا بالإضافة إلى أن المادة "6" من نظام هيئة البيعة حددت الجهة التي تأخذ المبادرة في الدعوة إلى البيعة، حيث نصت على أنه "عند وفاة الملك تقوم الهيئة بالدعوة إلى مبايعة ولي العهد ملكا على البلاد "، الأمر الذي يوفر بيئة إيجابية لانتقال الحكم وتعزيز الاستقرار في المرحلة الانتقالية.
كما تتصدى المادة "10" من نظام هيئة البيعة لأي فراغ قد ينشأ في إدارة شئون المملكة نتيجة لظرف طارئ قد يحل بالملك وولي عهده في وقت واحد حيث تنص على أن تشكل الهيئة مجلساً مؤقتاً للحكم من خمسة من أعضائها يتولى إدارة شئون الدولة بصفة مؤقتة في الحالات المنصوص عليها في نظام الهيئة .
وحددت المادة "10" أيضا مسئولية المجلس المؤقت للحكم بسد الفراغ المؤقت في إدارة شئون المملكة لحين قيام هيئة البيعة خلال مدة لا تتجاوز سبعة أيام باختيار الأصلح للحكم من أبناء الملك المؤسس وأبناء الأبناء والدعوة إلى مبايعته ملكاً على البلاد دون أن يكون للمجلس أي صلاحية بتعديل الأنظمة ذات الصلة بالشأن الوطني العام.
وتتناول المواد "11 ـ 14" آلية التعامل مع الملك متى ما توفر قناعة لدى هيئة البيعة بعدم قدرته على ممارسة سلطاته لأسباب صحية، حيث تقوم الهيئة بتكليف لجنة طبية من عدد من الجهات الحكومية لإعداد تقرير طبي عن حالة الملك الصحية وإذا أثبت التقرير الطبي أن عدم قدرة الملك على ممارسة سلطاته يعد حالة مؤقتة تنقل سلطات الملك بصفة مؤقتة إلى ولي العهد لحين شفاء الملك .
أما إذا أثبت التقرير الطبي أن عدم قدرة الملك على ممارسة سلطاته يعد حالة دائمة فعندئذ تدعو هيئة البيعة لمبايعة ولي العهد ملكاً على البلاد، وفي حال توفر القناعة لدى الهيئة من خلال التقارير الطبية أن عدم قدرة الملك وولي عهده على ممارسة سلطاتهما لأسباب صحية يعد حالة مؤقتة يتولى المجلس المؤقت للحكم إدارة شئون الدولة لحين شفاء أي منهما .
وفي حال أثبتت التقارير الطبية أن عدم قدرتهما على ممارسة سلطاتهما تعد حالة دائمة عندئذ يتولى المجلس المؤقت للحكم إدارة شئون المملكة لحين قيام هيئة البيعة خلال مدة لا تتجاوز سبعة أيام باختيار الأصلح للحكم من أبناء الملك المؤسس وأبناء الأبناء والدعوة إلى مبايعته ملكاً على البلاد.
والخلاصة أن نظام هيئة البيعة يمثل نقلة نوعية كبرى في تداول الحكم السعودي حيث يحسم موضوع تعيين ولاة العهد والملوك ويؤسس مدرسة سياسية يتعلم فيها الجيل الثاني من الجيل الأول من أبناء مؤسس المملكة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق