الجمعة، 4 نوفمبر 2011

لحم العيد وارجل الفراخ

الصدفة البحتة قادتنا لمشهد يكشف الحالة الحقيقية لمصر، وحال بعض الأسر التي فقدت عائلها الوحيد في أحداث الثورة ثم أدارت لها الحكومة ظهرها،
في جولة بقري مصر للوقوف علي استعدادات مرشحي مجلس الشعب للانتخابات التقيناها أمام فرن بلدي بقرية «ناي» التابعة لمركز قليوب تصارع للحصول علي خمسة أرغفة من الخبز المدعم، وبعد عناء طويل حصلت علي الأرغفة الخمسة لكنها تعثرت ووقعت وسقط الخبز من يدها في الطين، ولأنها عانت كثيراً في سبيل الحصول عليه، أمسكت بالأرغفة ونظفتها واحداً تلو الآخر ثم مضت في طريقها.
سيدة عجوز في العقد الثامن أو التاسع من العمر، لفت نظرنا المشهد فتتبعناها وطلبنا اصطحابها الي المنزل بدلاً من التعثر مجدداً فوافقت علي الفور.
من زقاق إلي حارة ومن شارع ضيق إلي آخر أضيق كانت الرحلة حتي انتهينا بـ «عشة» صغيرة فتحت السيدة بابها ودعتنا للدخول فلم نجد من متاع الدنيا سوي شعلة نار وبعض «الحلل» والأطباق وحنفية مياه و«جردل» وعلي الأرض «حصيرة» متهالكة يجلس عليها أربع بنات أكبرهن في الثالثة عشر من العمر، والصغري لا تتجاوز السنوات الخمس.
سألت العجوز عن حكايتها فقالت: اسمي أم عبدالله وعمري 86 عاما، كان عندي ولد وحيد اسمه عبدالله محمود أبو شعير «40 سنة» لكنه أصيب في رأسه في أحداث الثورة واستمر في العناية المركزة حتي لقي مصرعه متأثراً بجلطة في الدماغ يوم 15 فبراير الماضي.
وتضيف أم عبدالله: رفضت الحكومة اعتباره من شهداء الثورة وادعت أنه توفي في مشاجرة، وبناء عليه لم تصرف لنا أي تعويضات أو معاش له، مشيرة إلي أن ابنها كان يعيش في شقة ايجار جديد لكن زوجته اصيبت بالسرطان وأنفق علي علاجها كل ما يملك حتي توفاها الله، وعجز عن دفع الإيجار فجاء ليعيش هو وبناتي معي في العشة.
وبعد وفاة عبدالله أصبحت البنات الأربع في رقبتي، وحاولت الحصول علي معاش من الشئون الاجتماعي، لكن الموظفين أرهقوني في المشاوير والأوراق، وعندما يئست ذهبت للجمعية الشرعية فقرروا صرف 20 جنيها لكل بنت شهرياً، وهو مبلغ لا يكفي العيش الحاف كما أن مشوار الجمعية بعيد وأنفق الكثير في المواصلات لكي أصرف هذه الجنيهات.
وتتابع أم عبدالله بحسرة: أنا عندي 86 سنة ومريضة بالسكر، وربنا أعطاني الصحة والعمر لأربي البنات، لكن أنا حاسة إن أجلي قرب وكل اللي بفكر فيه البنات دول هيعملن إيه بعدما أموت.
سألناها عن طريقة احتفالها وبنات ابنها بالعيد، فخرجت منها ابتسامة تتبعها تنهيدة طويلة ثم قالت: نحن نعيش في قرية كل أهلها فقراء، ولا يستطيع أي منهم شراء ملابس جديدة في العيد، وبالنسبة للحمة قليل ما يذبح أحد الأهالي ويوزع علي الغلابة، لكنني لا أنتظر ذلك فأذهب الي السوق لأشتري أرجل الفراخ «هي دي لحمة العيد بتاعتنا».
وأثناء ذلك طرق الباب، فقامت أصغر البنات لتجد إحدي الجارات تحمل طبقاً من المكرونة، التقطته الفتاة في فرح وعادت لتضعه في وسط الحصيرة وبدأ الجميع في تناول الطعام، وعندما هممت بالانصراف وسألتهم قبل أن أفتح الباب: «إيه رأيكم في الثورة».. فقالت الابنة الكبري دون تردد: «أخذت مننا أبونا!».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق