السبت، 8 أكتوبر 2011

ثورة ينايرو مستقبل المعونة الأمريكية لمصر

نكاد نشك أنه ما إن يثار هذا الموضوع إلا ولسان حال المواطن المصري يردد قائلا أما آن لهذا الملف ان يغلق
.. إنه ملف المعونة الأمريكية لمصر الذي تم فتحه مع تدشين انخراط مصر في فلك السلام الأمريكي وتوقيع معاهدة 1979 مع إسرائيل ولم يغلق بعد أكثر من ثلاثين عاما على فتحه.
مشكلة هذا الملف أنه أصبح مادة للمماحكة والجدل بين مصر والولايات المتحدة على مدار فترة وجوده.. تم طرح مختلف المواقف بشأنه من قبل طرفيه دون أن يتم اتخاذ قرار ذي بال بشأنه من واشنطن أو القاهرة .. فلا الأولى منعته او أوقفته رغم الأصوات العالية .. ولا الثانية رفضته رغم الأصوات الأكثر علوا التي تطالب بذلك.
على خلفية الجدل الحاصل أخيرا بشأن التلويح بسلاح المعونات الأمريكية ضد القاهرة إذا لم تفرج عن الجاسوس الأمريكي الإسرائيل جبرائيل إيلان نفتح هذا الملف مجددا.. ليس أملا في إغلاقه وإنما نكء لجرح نتصور أنه ينبغي التعامل معه بشكل مختلف بعد ثورة يناير.. إذا كان للثورة بحق أن تصيغ علاقات مصر الخارجية على نحو مختلف.
وإذا كانت الاتهامات تطال النظام السابق بشأن أبعاد تعامله مع هذا الملف، الأمر الذي نرصده من خلال المواد المنشورة هنا، فإن التحدي الحقيقي هو تقديم نهج آخر يتجاوز هذه الاتهامات. صحيح أن مساحة التغير أو التغيير في علاقتنا بالولايات المتحدة قد يكون محدودا إن لم يكن بالغ المحدودية في ضوء المؤشرات التي يمكن رصدها حتى الآن بشأن اتجاهات مصر ما بعد الثورة، إلا أن ذلك لا ينفي أن هناك مساحة ولو محدودة من الحركة للتعامل انطلاقا من نهج مغاير يقدم المصلحة الوطنية وإلا لثارت التساؤلات والشكوك حول إنجازات الثورة ودورها في تحقيق نقلة بمصر من حال إلى حال.
وإذا كانت السيناريوهات المطروحة قليلة فإن أبرزها هو رفض المعونة وتعويضها من خلال الدفع بزيادة المصادر البديلة استغلالا للروح الوطنية في مصر .. فهل نحن في وضع يمكننا من الإقدام على هذا البديل.. أم كيف يمكن تحسين شروط هذه المعونة بشكل يحقق المصلحة الوطنية المصرية في إطار الإقرار بحقيقة الوضع الدولي القائم على فكرة الإعتماد المتبادل؟ هذه هي المعضلة التي نتصور أنها تواجه القائم على رأس الحكم في مصر خلال الفترة المقبلة.


ارفضوها
المساعدات الأمريكية أقل من 1 % من إجمالى الدخل ومعظمها ينفق كرواتب ومكافآت
«الأودا» تنشئ كوادر تابعة لها بالوزارات المصرية
تتكرر المطالبات الكونجرسية بين الحين والآخر مرددة ومهددة بوقف المعونة الأمريكية لمصر، وكأنها باب مصر السحرى نحو التقدم. وقبل اسبوعين كان الاستفزاز الاكبر أن تقايض الولايات المتحدة مصر جاسوسها المحتجز بزيادة المعونات الاقتصادية المقدمة لمصر، وكأن مصر يمكن ان تبيع كبرياءها وكرامتها وسيادتها مقابل حفنة من المال.
إن الحرة تجوع ولا تأكل بثدييها ، وكل دولة تعتمد على الآخرين لا يمكن ان تنهض أبدا. فضلا عن ذلك فإن مصر لا تستفيد بشكل حقيقى من المعونة الاقتصادية التى لا تنفق على تنمية علمية أو نقل تكنولوجيا أو بناء شخصيات أكثر عبقرية وإنما تنفق فى مشروعات طاقة وصرف صحى يتم تنفيذها من خلال شركات امريكية وتحت إشراف خبراء امريكيين وبمعدات ومستلزمات انتاج امريكية الصنع.
والحقيقة أن المساعدات الاقتصادية الامريكية المقدمة لمصر لا تستحق ثمنها المدفوع لأن البائع دائما كان فاشلا. كنا – فى ظل النظام السابق – نقدم كل شىء بدءا من المعلومة وحتى التدخل فى امورنا السياسية نظير مساعدات ضئيلة لا تزيد نسبتها علي 1% من اجمالى الدخل القومى.
سلاح المساعدات الخارجية
لقد بدأت أمريكا عقب الحرب العالمية الثانية فى استخدام سلاح المال للتدخل سياسيا فى كثير من دول العالم. وفى عام 1961 أنشأ جون كينيدى الوكالة الامريكية للتنمية لأهداف معلنة هى تحسين الصحة العامة،، نشر الديمقراطية، منع المنازعات وتوفير المساعدات الإنسانية، بينما كانت الاهداف غير المعلنة هى مد شبكة النفوذ الامريكى الى جميع انحاء العالم والسيطرة السياسية على القرارات السيادية فى الدول المحورية. وكان أول مشروعات الوكالة مشروع «مارشال» لاعمار الدول الاوروبية المتضررة من الحرب العالمية الثانية بتكلفة بلغت 13 مليار دولار.
وقد بدأت المساعدات الفعلية لمصر بعد ثورة 23 يوليو بهدف دعم الضباط الأحرار والهيمنة علي مصر سياسيا بعد خروج الاحتلال البريطانى، إلا أن تراجع علاقات البلدين انتهى الى القطيعة، ولم تعد المعونة مرة أخرى إلا عام 1975، حيث قررت الولايات المتحدة تقديم 3 مليارات دولار مساعدات لاسرائيل وتخصيص 2.3 مليار دولار لمصر كمساعدات موازية منها 815 مليون دولار مساعدات اقتصادية. ومنذ 1998 وحجم المساعدات الاقتصادية المقدمة لمصر تراجع فى اطراد بدعوى تحسن أحوال الاقتصاد المصرى، فى الوقت الذى لم تشهد فيه المساعدات المقدمة الى اسرائيل تراجعاً يذكر. ففى 1999 حصلت مصر على معونات اقتصادية امريكية بمبلغ 775 مليون دولار وقد تقلص المبلغ عام 2002 ليصل الى 655 مليون دولار ثم انخفض بعد ذلك بقيمة 50 مليون جنيه سنويا حتى وصل الى 250 مليون جنيه فى الوقت الحالى.
مساعدات «رواتب وأجور»!
وإذا كانت الستة وثلاثون عاما الماضية قد شهدت تقديم هيئة المساعدات الامريكية أكثر من 50 مليار دولار الى مصر تقديرا لها على دخولها فى اتفاق سلام مع اسرائيل، فإن اكثر من نصف ذلك المبلغ انفق كرواتب وأجور للخبراء والموظفين العاملين فى ادارات حكومية ووزارات تدخل فى اطار التطوير المؤسسى، وهو ما ادى الى نشأة طبقة من الموظفين والكوادر التابعين لامريكا فكرا وعملا وأداء. فضلا عما ساد تلك المؤسسات من حقد وانقسام بين العاملين نتيجة تمييز البعض فيما يعرف بمتعاقدى «الأودا» وبين غيرهم ممن يتلقون رواتبهم الطبيعية.
وكان من الطريف أن بعض الموظفين بوزارات مصر حصلوا على اجازات من اعمالهم المعينين عليها ليعودوا للعمل فيها بتعاقد عن طريق «الأودا» الامريكية.
كما ان البرنامج السلعى الامريكى للاستيراد وهو احد البرامج الرئيسية فى المعونة الذى يقدم قروضا ميسرة للقطاع الخاص يشترط أن تكون اى منتجات أو مستلزمات انتاج يتم شراؤها بأموال القروض امريكية الصنع وهو ما يعنى ربط أصحاب المصانع المصرية بالمعدات والتكنولوجيا الامريكية مرتفعة السعر دون تدريب أو تعليم مما يعنى أن المعونة الامريكية تقدم لنا سمكا وترفض أن تعلمنا الصيد!
وإذا كانت الحكومة الامريكية تتحين أى فرصة للتباهى بما قدمته المعونة لمصر مع التركيز على ان 40 % من اموالها ذهبت لاضاءة القرى والنجوع الفقيرة وأن 30 % من تلك الاموال ذهبت لمشروعات الصرف الصحى ، فإنها تتغافل دائما عما حصلت عليه من مقابل لتلك الاموال. ويشير تقرير نشر قريبا لمكتب محاسبة الانفاق الحكومى الأمريكى الى الفوائد التى جنتها الولايات المتحدة من المساعدات المقدمة الى مصر والتى من بينها طبقا للتقرير السماح باستخدام الأجواء المصرية من 2001 الى 2005 حيث سمحت مصر بعبور 3600 طائرة من أجوائها، بالإضافة الى نشر مصر نحو 800 جندى فى منطقة دارفور.
والخلاصة أن هناك تجارب حية لدول تخلت عن المعونة وحققت نهضة شاملة مثل اليابان وماليزيا وكوريا، والاقتصاد المصرى أكبر من ان يعتمد على معونة خارجية تخل بسيادة الدولة، وتسمح بالتدخل السياسى فى قراراتها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق