السبت، 8 أكتوبر 2011

.. متسول بدرجة بلطجي! "إنت فاكرني شحات"

استفحلت ظاهرة التسول بصورة خطيرة في مصر وباتت تنذر بتحويل البلاد إلى ملاجئ للشحاذين ، فلا يمكنك السير في طريق إلا وتتصادف بجيوش من المتسولين تحتل الشوارع تسألك برفق حينا وتزجرك أحيانا أخرى.
خرجت مرة من باب المتجر الكبير المتخصص في بيع السلع التموينية ومواد البقالة بأسعار الجملة والذي يقع في أول شارع فيصل، بمحافظة الجيزة، فإذا بي أفاجأ برجل ممتلئ الجسد كثيف الشارب يرتدي جلبابا تبدو عليه الفخامة، وما إن رآني أخرج من باب "الماركت" حتى اقترب مني وعلى يديه طفل يقترب من عامه الثالث ويطلب مني عشرة جنيهات على سبيل السلف.
وعندما حاولت إجابة طلبه الإحسان لكن بما تيسر من القروش فوجئت به ينهرني بعنف ويقول لي: " إنت فاكرني شحات.. إخص عليك وعلى الزمن الذي أحوجني إلى أمثالك" ، وأردف قائلا: " لست متسولا، أنا شيخ بلد في محافظة المنيا لكني فقدت مالي على أيدي النشالين أولاد الحرام" .. ووجدته يومئ برأسه نحوي حتى ظننت أنه سيتهمني أنا بسرقته.
وحين تدخل أولاد الحلال لترضية خاطر ذلك المتسول "الأليط" إذا به يتمادى بتوضيح خطأي الجسيم أنني أعطيته فقط بضعة قروش، ولم أعطه العشر جنيهات حتى يتمكن من السفر إلى بلده هو والطفل الذي يحمله زاعما أنه ابنه.
مع سبق الإصرار
مشهد آخر يراه كل من يرتاد الطريق الدائري الذي يمتد لأكثر من 40 كيلو متر ليربط طريق الإسكندرية بمدينة السلام وتحديدا عند منزل محور 26 يوليو وميدان لبنان والمهندسين، حيث تقف نساء منتقبات في عقودهن الثانية حاملات على أيديهن أطفال بعضهم يبدو عليه الإصابة بمرض الصرع والبعض الآخر يُعتقد أنه في غيبوبة.
اقتربت مني إحداهن  لتقدم لي روشتات علاجية بها أكثر من 10 أصناف من الأدوية على وجهي الورقة لتنتهي بأسعار تلك الأدوية التي يقوم بوضعها الصيدلاني مثلا، أو المعلم الكبير الله أعلم، لتطلب مساعدتها في توفير أحد أصناف تلك الأدوية، ولأن الإنسان منا لا يتعلم الدرس "ببلاش" فقد حاولنا مد يد العون للسائلة ببعض "الفكة" أيضا.
إلا أنها هي الأخرى سارعت لكن بصراحة بكل أدب ممزوج بإصرار على أنني لن أبرح بسيارتي حتى أعطيها ما تحدد قيمته هي لتقبله على سبيل المسئولية وليس الإحسان، وطبعا تتكاتف إشارة المرور مع هؤلاء النسوة حتى لتظن أنها لا تفتح إلا بعد أن تكون هذه السيدة قد أخذت من صاحب السيارة ما تريد.
وتؤكد كافة التقارير على أن التسول تحول إلى ظاهرة خطيرة ولعلها من أشد الظواهر الاجتماعية وأكثرها تعقيدا، فتنامي هذه الظاهرة في مجتمع ما، يعتبر مؤشرا على هشاشة اقتصاده، وضعف إمكانياته، وقلة حيلته السياسية في تدبير الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لهذا البلد والنهوض بالتنمية الاجتماعية.
فتكاثر عدد المتسولين وانتشارهم بأشكال ملفتة للنظر في الشوارع والأزقة، هو ما يوضح بعمق التخلف المجتمعي، لأنهم بأشكالهم الحزينة وحالاتهم البائسة، يسيئون إلى الوجه الحضاري لبلادهم ويؤثرون بطريقة، إن لم تكن مباشرة فهي ضمنية، على هياكل اقتصادها.
كما أصبح التسول غير قاصر على المحتاجين فحسب وإنما شمل أيضا ضعاف النفوس ومحترفي الكسب الرخيص وغيرهم من الذين يتخذونه حرفة تعود عليهم بالمال الوفير دون تعب أو جهد، مستخدمين أساليب مبتكرة وجديدة لتحقيق أعلى ربح من وراء التسول معتمدين في ذلك على استرقاق القلوب الجامدة واستدرار عواطفهم.


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق