السبت، 24 سبتمبر 2011

الانسحاب من مبادرة حوض النيل فوراً.. هو الحل

بدأنا في المقال السابق عرضا لمقترح خريطة الطريق لملف حوض النيل وعرضنا عدة محاور للتعامل مع بعض مشاكل هذا الملف الهام وذلك علي المستوي القومي ومع الشقيقة السودان ومع المجتمع الدولي والجهات المانحة.
واليوم نستكمل عرض خريطة الطريق ومحاورها المقترحة للتعامل مع بقية المشاكل المائية لملف حوض النيل والخاصة بالسدود الأثيوبية ومبادرة حوض النيل والاتفاقية الاطارية.
1- السدود الأثيوبية تمثل حلما أثيوبيا قديما للتحكم في مياه النيل الأزرق، وقد تم اعداد مخطط لهذه السدود، من خلال المنح والمساعدات الدولية، في إطار اقتصادي حديث لتغطية تكاليف السدود بل ولتحقيق أرباح من خلال تصدير الطاقة الكهربائية الي الدول المجاورة لتصبح أحد المصادر الرئيسية للدخل القومي بالعملة الصعبة ولتساهم في تحقيق نقلة اقتصادية واجتماعية لأثيوبيا ولتعظيم دورها السياسي في القرن الأفريقي وحوض النيل كمنتج رئيسي للطاقة في المنطقة. وتشير الدراسات الي أن صافي القيمة الحاضرة للربح لسد مندايا وحده تصل الي 7 مليارات دولار من خلال انتاج الكهرباء وتصديرها الي دول الجوار وقد تزيد الأرباح عن ذلك كثيرا لسد النهضة الذي يفوق سد مندايا في السعة وفي انتاج الكهرباء. وفي هذا الاطار الاستثماري لن تكون هناك جدوي اقتصادية لهذه السدود بدون مباركة مصر والسودان لهذا المخطط وشرائهما جزءا كبيرا من كهرباء هذه السدود، خاصة أنه لا يتوفر لأثيوبيا حاليا، حسب البيانات المنشورة في هذا الصدد، البنية الأساسية والشبكات اللازمة لاستيعاب ونقل واستخدام معظم الكهرباء الناتجة عن هذه السدود. بدون مشاركة مصر والسودان لن تكون الاستثمارات في هذه السدود مجدية للجهات المانحة أو حتي للاستثمار الشعبي، بل سيكون من الصعب تمويلها الا من خلال الميزانية الأثيوبية والتي تعجز عن تمويل مثل هذه الاستثمارات الضخمة. ولا يوجد مستخدم اخر لهذه الكميات الضخمة من الكهرباء الا من خلال نقلها عبر أراضي السودان أو مصر. ان عدم مشاركة مصر والسودان سيؤدي حتما الي تعطيل مخطط انشاء السدود الأثيوبية علي الأقل حتي يتم استكمال البنية التحتية الأثيوبية الكافية لاستيعاب كميات الكهرباء الضخمة التي ستولدها هذه السدود، وقد يستغرق ذلك عدة عقود من الزمن. ولكن تعطيل مخطط السدود لا يعني الوقف التام لها، بل قد تبدأ أثيوبيا بانشاء السد الأول وهو غالبا سد بوردر أو بمسماه الجديد النهضة وهذا قد تم بالفعل حيث تم البدء في انشائه في شهر أبريل الماضي، ولكن لن تستطيع الاستمرار في انشاء بقية السدود في المستقبل المنظور بدون مشاركة مصر والسودان، وقد لا تستطيع حتي استكمال انشاء سد النهضة نفسه في حال استمرار المقاطعة المصرية السودانية ووقف أي تمويل دولي لها. ولكن علينا أن ندرك جيدا أن أثيوبيا لن تتنازل عن هذه السدود بهذه البساطة لأن التحكم في مياه النيل الأزرق يمثل حلما أثيوبيا منذ قديم الزمان وله أهدافه الدولية والاقليمية والمحلية.
والتحرك المصري الدولي والاقليمي نحو قضية السدود كان قد بدأ بالفعل منذ النصف الثاني من العام المنقضي حيث رفضت مصر دراسات الجدوي لهذه السدود لعدم الأخذ في الاعتبار الاثار السلبية علي دولتي المصب وتم إرسال ملاحظات مصر علي الأثار السلبية لهذه السدود الي سكرتارية مبادرة حوض النيل، والي المكتب الفني لحوض النيل الشرقي، والي البنك الدولي والسوق الأوربية، والي الاستشاري الكندي لمبادرة حوض النيل، وإلي المكتب الاستشاري النرويجي الذي يقوم بدراسات الجدوي والدراسات التصميمية للسدود. ويجب الاستمرار في هذه الحملة وخاصة مع المانحين ومع الصين توضيحا للأثار السلبية العديدة لهذه السدود وتأثيراتها العنيفة علي كل من مصر والسودان وأن هذا الموقف ليس ضد التنمية في أثيوبيا بل حماية لحقوقنا المائية ومستقبل أمتنا.
وقد نشر في وسائل الإعلام مؤخرا عن تشكيل لجنة ثلاثية من مصر والسودان وأثيوبيا للتباحث حول سد النهضة. وبالرغم من وجاهة فكرة اللجنة وحتميتها الا أنني أتساءل عن الصلاحيات المعطاه لهذه اللجنة التي لم تجتمع بعد بينما تم البدء في اقامة السد منذ شهر أبريل الماضي!! هل اذا وجدت هذه اللجنة الثلاثية أن السد له أثار سلبية مؤثرة علي دولتي المصب ستقوم اللجنة برفع توصيات لوقف اقامة السد والغاء المشروع بعد البدء في تنفيذه؟ وهل أثيوبيا سوف توافق علي ذلك؟ أعتقد أن هذه اللجنة لن تكون لها هذه الصلاحية وأقصي ماسوف يسمح لها به هو اصدار توصيات بسياسة تشغيلية للسد تقلل من أثاره السلبية علي دولتي المصب والاتفاق علي عدد سنوات تخزين المياه أمام السد. وان صحت هذه الفرضية الخاصة بالصلاحيات المحدودة للجنة فإن مشاركة مصر والسودان في اجتماعاتها سوف تفسر أمام الجهات المانحة والقوي السياسية الدولية علي أنها اقرار وموافقة كل من البلدين علي إقامة سد النهضة. وجدير بالذكر ان تعديل السياسة التشغيلية لن يكون له تأثير ملحوظ علي تخفيف الآثار الاقتصادية والاجتماعية السلبية علي مصر حيث إن معظم هذه الآثار السلبية سوف تنتج عن تخزين كميات المياه الهائلة المطلوبة أمام السد. ولذلك فإنني أرجو من المسئولين في مصر أن يأخذوا في اعتبارة امكانية أن تكون الموافقة الأثيوبية علي هذه اللجنة ليس للنظر في اقامة أو عدم اقامة السد من خلال دراسة مشتركة لآثاره السلبية علي دولتي المصب، بقدر أن يكون اشغال دولتي المصب في سياسات السد التشغيلية وبطريقة وسنوات الملء بحجة تقليل أثاره السلبية، للنجاح في الحصول علي موافقة الدولتين علي المشاركة في استيراد الكهرباء الناتجة. ان الدراسات المصرية لهذه السدود توضح بدون أي غموض أن هذه السدود ستكون ذات أثار وخيمة علي دولتي المصب.
ولكن اذا كان الهدف من تشكيل اللجنة الثلاثية هو الوصول الي توافق في الرأي بين الدول الثلاثة حول انشاء سد النهضة فإنه كان يجب أولا ايقاف عمليات التشييد حتي التوصل الي التوافق في الرأي علي جدوي وايجابيات المشروع أو الي عكس ذلك. يجب توقف انشاء السد حتي الانتهاء من اجتماعات اللجنة والتي من الممكن تحديد فترة عملها بمدة محدودة ولتكن 6 شهور علي سبيل المثال. وأري أيضا عدم حصر مناقشات اللجنة علي سد النهضة فقط في معزل عن السدود الأخري المقترحة علي النيل الأزرق والتي أعلنت عنها أثيوبيا علي لسان كبار المسئولين هناك، حيث يجب مناقشة جميع السدود معا كمخطط متكامل واستعراض أثارها السلبية المحتملة علي كل من مصر والسودان. ويجب أيضا الأخذ في الاعتبار في أعمال اللجنة الثلاثية دراسة البديل الفني لهذه السدود أو بعض منها عن طريق انشاء سلسلة من السدود الصغيرة لتوليد الطاقة للاستهلاك المحلي ولتوفير المياه لبعض المشروعات الزراعية المحدودة بدون إحداث أضرار ملموسة بكل من مصر والسودان. وقد يتطلب ذلك أن تقوم مصر والسودان من خلال الهيئة الفنية المشتركة لمياه النيل بإعداد بعض الدراسات المبدئية عن بديل السدود الصغيرة أخذا في الاعتبار أن هذا البديل يحقق للسودان الفوائد التي تحتاجها من السدود الأثيوبية من تقليل المواد الرسوبية وتنظيم تصرفات النيل الأزرق علي مدار العام. ولذلك فان محاور الرؤية الخاصة بالسدود الأثيوبية تتمثل باختصار في: أ- الحوارمع أثيوبيا حول مخطط السدود كلها وليس سدا واحدا فقط وأثارها السلبية علي دولتي المصب، ب. طرح بدائل فنية للسدود الأثيوبية الضخمة لا تسبب أضرارا مؤثرة علي دولتي المصب مثل اقامة سلسلة من السدود الصغيرة علي روافد النيل الأزرق لتوليد الكهرباء للاستهلاك المحلي ولبعض الزراعات المروية، ج. مقاطعة كل من مصر والسودان للسدود وعدم المشاركة فيها ،
د. التواصل مع المجتمع الدولي وخاصة الجهات المشاركة في تمويل أو تنفيذ هذه السدود والقوي السياسية والمنظمات الدولية حول آثار هذه السدود السلبية علي كل من مصر والسودان.
2- الاتفاقية الاطارية لمبادرة حوض النيل في شكلها الحالي لايمكن لمصر توقيعها لنواقصها العديدة حيث لا تشمل الاتفاقية علي أي بند يقر بالحقوق المائية التاريخية لدولتي المصب أو حتي بالاستخدامات المائية الحالية، ولا تحتوي الاتفاقية علي إجراءات تنفيذية للأخطار المسبقة والذي يعطي الحق للدول المتضررة في الحوض الاعتراض علي المشاريع والدول التي تسبب هذا الضرر، وتتيح الاتفاقية في شكلها الحالي لدول المنبع تعديل العديد من بنودها بالأغلبية بدون موافقة مصر، وتسمح بإعادة توزيع ايراد نهر النيل علي دول المنبع خصماً من حصتي دولتي المصب. ونحن والسودان لسنا طرفا في هذه الاتفاقية الاطارية ولا تلزمنا بأي التزامات قانونية أو مؤسسية، ولا تعفي هذه الاتفاقية دول المنبع من التزاماتهم القانونية في الاتفاقيات القائمة نحو مصر والسودان. الاتفاقية الإطارية في وضعها الحالي بدون مشاركة مصر والسودان تفقد معظم مميزاتها لدول المنبع لأنها لا تحقق لهم التحلل من الاتفاقيات القديمة القائمة مع كل من مصر والسودان ولا تحقق لهم الا مكاسب سياسية محلية محدودة.
والدول التي وقعت الاتفاقية الاطارية منهم خمسة في الهضبة الاستوائية يجمعهم بالفعل تجمع دول شرق أفريقيا ولن تضيف لهم هذه الاتفاقية في رأيي أي جديد، وهناك أيضا تجمع مماثل لدول بحيرة فكتوريا ليست له الفاعلية المأمولة بالرغم من مرور سنوات طويلة علي انشائه. والدولة السادسة التي وقعت علي الاتفاقية الإطارية هي أثيوبيا والتي لا تشترك مع الدول الاستوائية في الحوض المائي بل تقع هي واريتريا في منبع الحوض الشرقي لنهر النيل وليس بينها وبين بقية دول المنبع الأخري أي قواسم مشتركة داخل الحوض للتعاون المائي فيما بينهم.
من وجهة نظري الشخصية أري أنه اذا كان الهدف الحقيقي للاتفاقية الاطارية هو التوصل الي اطار فعال للتعاون بين دول الحوض، فإنه من صالح دول المنبع قبل دولتي المصب العودة الي مائدة المفاوضات للاتفاق حول النقاط العالقة في الاتفاقية الاطارية لكي تحظي بتوافق جميع دول الحوض. بالفعل قامت بعض دول المنبع بالدعوة للعودة الي التفاوض، حيث بدأنا في ديسمبر الماضي حوارا فنيا من خلال الخارجية المصرية مع كينيا حول صيغة بديلة لبند الأمن المائي، كما كان هناك دعوتان من السادة رؤساء دول المنبع (تنزانيا وأوغندا) أخرها في منتصف ديسمبر الماضي، كمبادرة من دول تجمع شرق أفريقيا، لعقد مؤتمر قمة لدول الحوض لمناقشة النقاط العالقة في الاتفاقية الإطارية.
ولكن العودة للتفاوض يجب أن تكون عودة عادلة للجميع تتيح الفرصة لتحقيق اتفاق لصالح دول الحوض وليست عودة منحازة تميز طرفا علي طرف اخر. وفي رأيي أن هذه العودة العادلة الواعدة لن تتأتي الا بالاتفاق أولا بين دول الحوض علي تجميد الاتفاقية الاطارية لفترة زمنية معقولة يتم الاتفاق عليها ويتم أثناء هذه الفترة العودة الي التفاوض الجاد حول النقاط العالقة. وتجميد الاتفاقية هو المقياس الحقيقي في رأيي علي الرغبة الصادقة لدول المنبع للوصول الي توافق بين دول الحوض جميعا حول الاتفاقية الاطارية. وعدم موافقة دول المنبع علي تجميد الاتفاقية لفترة زمنية محدودة له معان وتفسيرات عديدة قد يكون أهمها عدم وجود الثقة الكافية بين دول المنبع ودولتي المصب، والتي من الممكن التغلب عليها من خلال مسارات تفاوض محددة بدقة وأجندة تفصيلية للتفاوض. وفي حالة فشل الوصول الي اتفاق مناسب لجميع الأطراف للعودة للمفاوضات الجادة فانني أري أن تقوم مصر بالتنسيق والمشاركة مع السودان باغلاق ملف الاتفاقية الاطارية نهائيا وعدم الالتفات الي أي مناقشات حولها وعدم جعلها ورقة ضغط علينا أو ابتزاز لنا فلا هي بشكلها الحالي تلزمنا بشيء ولا نحن نحتاج اليها. ويجب تذكرة القارئ هنا بأن دول المنبع لا تقر بالاتفاقيات الدولية القائمة مع كل من مصر والسودان بالرغم من أنها طرفا فيها، فكيف نحن بالله نقلق من الاتفاقية الاطارية ونحن لسنا طرفا فيها!!
3- في حالة توفر الرغبة الجماعية للعودة لمائدة التفاوض فإنه ستكون هناك فوائد عديدة لدول وشعوب الحوض كافة، فان عودة المفاوضات ستعيد الأمل للوصول الي حوض موحد وستفتح الطريق لمزيد من التعاون في المجالات الحياتية المختلفة من ثقافة واجتماع وعلوم واقتصاد وتجارة واستثمار، وستقطع الطريق علي التدخلات الأجنبية، وستتيح فرصة جادة للحوار بين دول الحوض في القضايا المائية العالقة. وفي حالة العودة الي مائدة المفاوضات فإنني أري أنه هناك عدة مرتكزات للتفاوض قد يكون من المهم إقرارها من كافة دول الحوض لتحقيق التعاون المائي بينها ولنجاح المفاوضات في تحقيق التوافق المنشود. وهذه المرتكزات قد تشمل مايلي:
< أن من حق جميع دول الحوض استغلال مياه النهر للتنمية الاقتصادية لمجتمعاتهم.
< أن الوضع المائي في دولتي المصب حرج جداً ويقوم علي كامل استغلال ايراد النهر الحالي لسد احتياجاتهم الممكنة بل إن العديد من الاحتياجات المائية الحالية في مصر لا يتم الايفاء بها حاليا.
< إن مبدأ عدم الاضرار لا معني له وغير قابل للتطبيق بدون الاقرار بالممارسات التاريخية لاستغلال مياه النهر لدول الحوض كافة لتكون هذه الممارسات هي المرجعية لتقدير أي ضرر قد يلحق بهذه الدول نتيجة لأي مشاريع تقوم بها دول أخري في الحوض.
< ان تضمين الإجراءات التنفيذية للأخطار المسبقة في الاتفاقية الاطارية ضرورة قصوي لاجراءات التفاوض والموافقة علي أي مشاريع تقام علي الأنهار المشتركة لتجنب شركاء الحوض الواحد مشاكل جمة قد يكون من الصعب حلها إذا لم يتم حسمها منذ البداية.
< إن المشروع الأهم في حوض النيل هو استقطاب الفواقد المائية الهائلة والتي تزيد علي 150 مليار متر مكعب سنوياً وذلك لزيادة ايراد النهر واستغلال هذه الزيادة للإيفاء باحتياجات شعوب الحوض. ويجب الاعداد لهذا المشروع وتسويقه للجهات المانحة مع الأخذ في الاعتبار تقليل آثاره البيئية والاجتماعية السلبية وأن يكون هذا المشروع مدخلاً لاقامة محاور تنمية رئيسية في دول المنبع تشق علي جوانبه الطرق والسكك الحديدية التي تربط دول الحوض بشرايين النقل والتجارة. فليس من المعقول التمسك بمساحات هائلة تزيد علي مساحة دولة أو دولتين من البرك والمستنقعات غير مستغلة وتفقد منها كميات هائلة من المياه تفوق ايراد النهر نفسه وتنتشر فيها الأمراض والأوبئة بينما يموت الناس من نقص امدادات المياه والغذاء، في حين نجد الأمم المتقدمة تتسابق لاستغلال مواردها الطبيعية.
<الطبيعة الهيدرولوجية للهضبة الاستوائية (الحوض الجنوبي) مختلفة كثيراً عن الهضبة الاثيوبية (الحوض الشرقي) وكذلك تختلف طبيعة السدود المقترحة علي كل من الهضبتين مما قد يتطلب إنشاء مفوضتين فرعيتين تتبعان المفوضية الرئيسية لحوض النيل، الأولي للنيل الجنوبي والثانية للنيل الشرقي، وذلك لتسهيل الحوار وتعجيل أوجه التنمية في كل من الهضبتين.
< يجب أن يكون هناك توافق بين دول الحوض علي تعريف مبدأ التوافق والذي شهد انقساماً كبيراً في تعريفه ما بين دول المنبع ودولتي المصب في اجتماعات المبادرة علي أن تكون جميع قرارات المجلس الوزاري واللجان الفنية والتفاوضية بالتوافق.
4- لقد أدت المشاكل المصاحبة للاتفاقية الاطارية الي أضرار مباشرة لأنشطة واجتماعات مبادرة حوض النيل. فقد توقفت تماما اجتماعات حوض النيل الشرقي التي تضم مصر والسودان وأثيوبيا، وغابت مصر والسودان عن جميع اجتماعات النيل الجنوبي الذي يشمل معهما دول الهضبة الاستوائية، وأصبحت اجتماعات المجلس الوزاري واللجنة الفنية الاستشارية مظهرا لانقسام دول الحوض مابين دول المنبع ودولتي المصب. وأهداف دول المنبع من المبادرة أصبحت مختلفة عن دولتي المصب، حيث تعمل دول المنبع علي التصديق المنفرد علي الاتفاقية الاطارية لتحويل المبادرة الي مفوضية لإعادة توزيع الحصص المائية في غياب دولتي المصب، بينما لا ترغب دولتي المصب في التوقيع أو التصديق علي الاتفاقية التي لا تقر بحقوقهما ولا باستخداماتهما المائية الحالية، وسيتم نقل جميع أصول المبادرة الي المفوضية المزمع انشاؤها بدون مصر والسودان. فكيف بالله نستمر في هذا المسار وما هي الفوائد التي تعود علينا من هذه الأنشطة والاجتماعات؟
ما هو الجديد الذي ننتظره من الاجتماع الاستثنائي لوزراء مياه دول الحوض في رواندا في نهاية أكتوبر القادم وماذا أعددنا له؟ هذا الاجتماع الذي طلبته كل من السودان ومصر لمناقشة التداعيات القانونية التي تراها الدولتان للتوقيع المنفرد لدول المنبع علي الاتفاقية الاطارية. هل ننتظر أن توافق دول المنبع علي أن تقر بأنها أخطأت بالتوقيع المنفرد علي الاتفاقية الاطارية؟ هل نتوقع أن دول المنبع سوف توافق علي أنه هناك تداعيات قانونية ومؤسسية عليها نتيجة لتوقيعها المنفرد للاتفاقية الاطارية وهي التي تقوم حاليا باجراءات التصديق علي هذه الاتفاقية؟ في رأيي الشخصي أن نتائج هذا الاجتماع لن تختلف عن نتائج الاجتماعات الأخري التي سبقتها من تكتل لدول المنبع في جبهة ضد دولتي المصب ورفضها لهذه التداعيات بل والاتفاق فيما بينها علي صياغة محضر الاجتماع بأن المجلس الوزاري لدول الحوض (بالرغم من معارضة مصر والسودان) يري أن توقيع دول المنبع علي الاتفاقية الاطارية يتوافق مع الاطار القانوني والمؤسسي لمبادرة حوض النيل ويتطابق مع قواعد القانون الدولي. فكيف يكون التصرف المصري تحت هذه الظروف، وهل توقع مصر محضر الاجتماع كما فعلت في نيروبي؟ أري أننا نخشي مواجهة أنفسنا ومواجهة الأخرين بالحقائق الواضحة الجلية في مسار أحداث المبادرة ومواقف دول المنبع الصريحة والرافضة لأي حقوق أو استخدامات مائية لدول المصب، وأننا نتجاهل ما يجري من ترتيبات دولية واقليمية لدول حوض النيل منذ سنوات وسنوات.
في رأيي الشخصي أنه في حالة عدم الوصول الي اتفاق مناسب مع دول المنبع للعودة الي مائدة التفاوض واصرار هذه الدول علي الاتفاقية الاطارية بشكلها الحالي، فانه يجب الانسحاب الكامل من المبادرة وذلك بالتنسيق مع السودان، أو علي الأقل الاعلان رسميا علي تعليق العضوية وتجميد المشاركة في الأنشطة علي نحو ما سبقتنا اليه السودان. مثل هذا الموقف القاطع سوف يوضح توجهنا لدي المانحين بأننا لا نوافق ولا نشارك في الاجراءات الانتقالية الحالية لتحويل المبادرة الي مفوضية تستند الي اتفاقية اطارية لا تضم كل دول الحوض.
وجدير بالذكر أنه في حالة اتخاذ مصر قرارا بالانسحاب أو تجميد المشاركة في مبادرة حوض النيل واغلاق ملف الاتفاقية الاطارية، فان ذلك لا يعني عدم تعزيز العلاقات مع دول الحوض أو وقف برامج التعاون الثنائية معهم. بل يجب الاستمرار في تعزيز تواجدنا في هذه الدول واستمرار التوصل والحوار، مع اعطاء الأولوية في برامجنا للتعاون الثنائي التنموي وفي توجيه الاستثمارات للدول الهامة لنا والدول المعتدلة في توجهاتها نحونا. أري في هذا الصدد اعطاء الأولوية القصوي للسودان شمالا وجنوبا ثم الكونغو اذا استمرت علي موقفها الحالي الداعم لنا ثم الدول الأخري التي تبدي تفهما عمليا لظروف مصر السياسية والمائية والتي لن تصدق علي الاتفاقية الاطارية.
في نهاية هذه المقالات أود أن أشير الي ان ماعرضته من فكر وتحليل ومقترحات حلول لا تمثل الا آرائي ورؤيتي الشخصية لواحدة من أهم القضايا المصرية حاضرا ومستقبلا، وانني أرحب بأي اختلاف معي في الفكر أو الرؤية مادام هذا الخلاف يصب في حب مصر وصالحها، وأشجع في هذا الشأن علي بداية حوار قومي حول هذه المسودة لخارطة الطريق يشارك فيه أصحاب الفكر والخبرة والأحزاب السياسية وأساتذة الجامعات ومراكز البحوث المصرية والمهتمون بهذا الملف وبما لهم من رؤية وأمال في مستقبل مصر وذلك للوصول الي رؤية مصرية تعبر عن الشعب المصري بمعظم أطيافه. وأختتم هذا المقال مذكرا بأن محاور التحرك المصري المقترحة هنا أو غيرها من الأفكار البناءة لأبناء مصر لن تجدي الا في وجود مصر القوية بتراكيبها الاجتماعية المتماسكة الصلدة وبثقافة تدمج المواطنين في بوتقة واحدة وبعلم يرتقي بها الي مصاف التطور والحضارة واقتصاد قوي يوفر لشعبها سبل الحياة الكريمة وعلاقات سياسية قوية تقوم علي الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة وجيش قوي يحمي شعبها وأرضها ومكاسبها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق